" يبدو أن الثورة قد غَيرت التأخير المُقدَس للقِطارات في بلادنا فقد جاء القطار في ميعاده هذه المرة ! " هكذا تحدث غريب إلي نفسه .
لا يملك تذكَرة بمكان محدد ، يجلس في عربة ثم ينتقل إلي التى تليها ، بعدها ببضع دقائق صوت مُشاجرة بين رجل ذو صوت فخيم و صبي يصرخ بين يديه ، فى البداية لم يهتم كثيرا جلس وأخرج كتابه للقراءة وهاتفه المحمول وقِرطاس ممتلئ بالفول السوداني ، تدّخل بعض الركاب لينهروا الرجل الذي كان يريد أن يُنزل الصبي بحجة أنه قد يسرق شيئا .
صرخ الصبي فى وجهه نافيا مزاعمه و مؤكدا أنه راكب عادي و لا يبيع شيئا أو يسرق أخر .
(عبد الرحمن ) أسمر البشرة ناعم الشَعر يحمل كيسا بلستيكيا به كُتيب من القرآن ( جزء عمّ يتسألون ) ، يجلس بالجوار و يبادر بفتح حديث مع غريب ، يسأله الصبي عن الهاتف المحمول فيعرف غريب كل شئ عن قصته الإنسانية .
عرف يتم الصبى وقصة وفاة كل من الأب والأم ، ثم الانتقال والحياة مع الجدة وخروجه من التعليم بعد رسوبه المتكرر وعدم وجود مبلغ الخمسمائة جنيها المطلوبه لدخوله مدرسة أخري .
يستيقظ من النوم في يومه العادي قبل الظهر بقليل يقضي ما تحتاجه جدته من طلبات بعد ذلك يصطحبها للصلاة في المسجد ثم يقضي يوما عاديا بدراجته القديمة ، كان في طريقه إلي خَالته التي تسكن في إحدي قري ( إسنا) وكيف أنه ركب ذلك القطار دون تذكرة واستعطف الكُمسري في ذلك .
عرض غريب عليه بعض من الفول السوداني ، في البداية رفض شاكرا ثم وافق مع الإلحاح .
راح الصبى يبحث عن شئ يُلقي به القِشر حتي لا يتسخ المكان !
أكمل قصته وكيف أنه لا يُريد أن يدخل بيت خالته ليلا وأنه مضطر أن يبيت في المحطة حتي الصباح خوفا من بطش زوج خالته بهما سويا ، وخوفا من مقابلتها له في مثل ذلك التوقيت فيَضيق صدرها لتلك الزيارة والتي يبدو أنها غير مَرغوب بها وخصوصا مع تذكّره كلامها ( بعد ما يموت أبوك وأمك محدش هينفعك غير نفسك ) .
كان يذهب لزيارتها كل فترة مع كل هذه الصعوبات وعدم الترحيب من زوج الخالة ، كل ما يملكه عبد الرحمن جنيها واحدا ، وقد أبتاع به جزء القرآن مع كيسه البليستيكي هما الأن كل ثروته .. !
سأل غريب الصبى عن الثورة بما أنه قاهري المَسكن ليجيبه أنه صغير لم يستطع أن يذهب لأنه لا يملك بطاقة وكان يريد أن يغمس أصبعه في الحِبر الأحمر !
يبتسم الراكب قائلا لا أقصد الاستفتاء بل الثورة !
ينظر الصبي له متعجبا من العبارة و وقعها عليها ، ثم بادره بالسؤال عن معرفته أساسا برحيل مُبارك ، فأجابه أنه لا يعلم عن ذلك شيئا فقط شاهد صورته وهو حزين في أحد الجرائد وتسأل متعجبا لماذا رَحَل ؟!
تذكر عبد الرحمن ذلك اليوم الذي كان يملك فيه لعبته ونام في القطر ليستيقظ و لم يجدها فأتهم النساء من حوله بالسرقة فأجمعوا عليه وضربوه ضَربا مبرحا ، كان بين الحين والأخر يُخرج القرآن ليقرأ منه وكأنه يريد أحدا أن يستمع له وأن يصحح له نطق الحروف ، عرض غريب أن يشتري له طعاما فرفض رفضا شديدا مع الشكر الجميل .
قاطع الحديث راكب في الصِف الأخر يحمل طفله فبدأ عبد الرحمن في مُداعبة الطفل واللعب سويا بفرحة وابتسامة علي وجهيهما ،تركهما فى فرحتهما وراح فى نوم عميق لم يستيقظ إلى فى محطة الوصول لينظر بالجوار فلم يجد إلا جزء القرآن بجوار قرطاسه .
بقلم :
الحسين رجب ذكي .
28/3/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق